دخل المجلس النيابي أمس، في جدالات عديمة الروح ومكرورة، إذ إنّ مشروع القانون الذي أحالته الحكومة تحت عنوان تعديل واستحداث ضرائب جديدة بدا هو ذاته القانون السابق مع تعديلات شكلية أو طفيفة. فما حصل هو تعديل في العنوان بحيث أزيل منه أنّ الهدف من التعديلات هو تمويلالسلسلة.
أما في الداخل، فالمادتان اللتان اعترض عليهما المجلس الدستوري خضعتا لتعديلات عابرة. المادة 11 المتعلقة بفرض غرامات على الأملاك البحرية والتي أقرّت أمس، مع استبدال كلمة رسوم بكلمة غرامة سنوية، بقيت كما هي، باستثناء أنّ الجداول التي تنظم شطور الغرامات نقلت من متن النص إلى آخره. في حين أنّ المادة 17 الأخيرة أزيلت منها عبارة المهن الحرة وبقيت المادةعلى حالها.
ما يحكم النقاش في مجلس النواب هو التفاهم في مجلس الوزراء حول ضرورة إقرار مشروع الضرائب والإجازة بتعليق السلسلة في حال لم يتمّ إقرار الضرائب والاتفاق على مخرج لقطعالحساب.
لقد وزع رئيس المجلس النيابي نبيه بري للجلسة العامة يوم أمس جدولين. في الجدول الأول كان البند الأول المشروع المتعلق بتعليق السلسلة، يليه بند مشروع قانون الضرائب. ثم جرى توزيع الجدول الثاني الذي أعاد ترتيب جدول الأعمال بحيث بات مشروع الضرائب بنداً أول يليه بند تعليق السلسلة. الأمر الذي أشّر إلى أنّ إقرار "الضرائب" سيجعل بند تعليق السلسلة من دون معنى. وأكد رئيس المجلس في بداية الجلسة عدم السماح بتعليق السلسلة، عندما أوضح أنه في حال إقرار مشروع الضرائب، لا حاجة للمشروع الذي يجيز للحكومة تأخير تنفيذ القانون رقم 46.
أما البند المتعلق بقطع الحساب فأرجئ إلى جلسة الموازنة لارتباطه بها. حيث من المرجّح، كما قال نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري بعد انتهاء اجتماع هيئة مكتب المجلس برئاسة بري، إذا سارت عملية انتخاب أمين السر والمفوضين الثلاثة وأعضاء اللجان الدائمة، كما هو متوقّع وبسرعة في جلسة 17 من الحالي مع بدء العقد العادي الثاني، أنّ يبدأالمجلس النيابي بأولى جلساته التشريعية لدرس وإقرار الموازنة العامة للعام 2017، مع تأكيده أنّ الأمور مرهونة بالظروف التي تلي جلسة انتخاب اللجان ومكتب المجلس. وكان برّي نبّه إلى ضرورة إنجاز الموازنة قبل نهاية الشهر الحالي.
في هذا السياق، بدت مداخلات النواب وكأنها لزوم ما لا يلزم، لا سيما أنّ أصحاب السعادة سيُدلون بدلائهم من المزايدات في جلسات الموازنة التي ستنقل مباشرة على الهواء. علماً أنّ رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل أعاد إطلاق مواقف دأب على تكرارها من دون كلل أو ملل. ونصّب نفسه في موقع المدافع عن حقوق الفقراء. هذه المواقف دفعت رئيس الحكومة سعد الحريري إلى الردّ عليه بطريقة غير مباشرة، مؤكداًأنّ مَن يوافق على السلسلة يوافق على إيجاد إيرادات لتغطيتها، أما عديم المسؤولية فهو الذي يفكّر بالسلسلة من دون إصلاحات وضرائب. وقالالحريري رداً على قول الجميّل إنه يموّل الانتخابات من هذه الضرائب: "إذا كان هناك مَن يعتقد أنّ هذه الضرائب شعبية لكان الجميّل أول من سار بها".
عندما طُرح بند الضريبة على القيمة المضافة طلب النائب إبراهيم كنعان تعليق المادة ربطاً بإقرار الموازنة. دعوة رئيس لجنة المال والموازنة لم تلق آذاناً صاغية وبالأخصّ عند الرئيس بري. لذلك آثر كنعان الخروج من الجلسة عند التصويت على هذا البند.
أما حزب الله فأعاد تأكيد موقفه السابق الرافض زيادة الـ TVA إلى 11 في المئة. بحيث أوضح النائب علي فياض أنّ كتلة الوفاء للمقاومة رفضت سابقاً رفع ضريبة الـ TVA وتعيد الآن انسجاماً مع نفسها، تأكيد رفضها مجدّداً، موضحاً أنّ إيرادات الضريبة على القيمة المضافة 300 مليار ليرة، وأنّ كلفة السلسلة قرابة 1400 مليار، في حين أنّ العائدات الضريبية التي يتضمّنها القانون الجديد تزيد عن 1900 مليار. مما يعني أن لا حاجة اضطرارية لهذه الضريبة. فما يتصل بالانتظام المالي أو تقليص عجز الموازنة يحتاج إلى سياق مختلف من النقاش.
وبناء على ما تقدّم، تحفّظ نواب كتلة الوفاء للمقاومة، خلال التصويت على مشروع القانون ببنوده الـ 17، على البند المتعلق بزيادة الضريبة على القيمة المضافة، كحال النائب نقولا فتوش. في حين أيّد النائب الوليد سكرية فقط القانون كما أقرّ. بيد أنّ النائب علي عمار أكد أنه ضدّ القانون كحال النواب الجميّل، سامر سعادة، خالد الضاهر وبطرس حرب. غير أنّ كلّ هذه الأصوات الممتنعة أو المعترضة لم تغيّر في الواقع بشيء. إذ جرى التصويت على القانون بالمناداة وأقرّ، بعدما أيّده 71 نائباً من "التحرير والتنمية"، "التغيير والإصلاح"، "اللقاء الديمقراطي"، النائب مروان فارس، "المردة"، "المستقبل"، "القوات".
إنّ التحفّظ على بعض البنود لم ينحصر فقط بحزب الله والكتائب، فقد طال أيضاً بعض نواب التغيير والاصلاح والرئيس فؤاد السنيورة، والرئيس نجيب ميقاتي الذي أعلن في مداخلته خلال الجلسة تحفظه على الاقتراحات الضريبية لتمويل السلسلة. وقال: ورد في الأسباب الموجبة لمشروعالقانون أنّ ما تمّ اقتراحه هو لمصلحة المواطنين من ذوي الدخل المحدود وهذا مجافٍ للحقيقة. والسبب الثاني لتحفظي يتعلق بالأثرالاقتصادي للضرائب بشكل عام، وضرورة تبيان المردود الحقيقي لكلّ ضريبة على خزينة الدولة. أما السبب الثالث فهو أنه تمّ تقديم اقتراحات قوانين عدة تتعلّق بإضافات وتعديلات معينة على قانون السلسلة، ومنها اقتراح قانون تقدّمت به لإنصاف العسكريين. وكانيجب درس هذه الاقتراحات وبتّها ومن ثم العودة إلى درس تمويل السلسلة.
وبمعزل عن كلّ ما تقدّم، فقد أقرّ المجلس النيابي رسوماً جديدة على الطابع المالي بزيادة 4000 ليرة، وعلى تعرفات بعض الصكوك والكتابات الواردة المتعلقة بالسجلات العدلية والإيصالات الصادرة عن المؤسسات العامة والبلديات وفواتير خدمات الهاتف والإنترنت وبيانات الحساباتالخاصة بالمصارف أو المؤسسات المالية والتجارية والإيصالات الصادرة عن مؤسسات الهاتف الخلوي وشركات الاتصالات الالكترونية بزيادة تتراوح قيمتها بين 250 و2500 ليرة. كما فرض المجلس النيابي رسم إنتاج على الإسمنت بزيادة قيمتها 6000 ليرة، ورفع الرسوم على استهلاك المشروبات الروحية المستوردة. كذلك رفع الرسوم على استهلاك بعض أنواع التبغ والتنباك المستورد، بحيث تُرفع الرسوم على علبة السجائر 250 ليرة، و2500 ليرة على سعر علبة المعسّل، و10% على سعر السيجار الواحد.
وأقرّ المجلس رسوماً على المعاملات الرسمية التي تصدر عن كتّاب العدل كالعقود، الوصية، الأسناد المصدّقة لدى كاتب العدل، سند الوكالة العامة، معاملة الاحتجاج، معاملة إعطاء الأسناد، الأسناد المترجمة، أوراق التبليغ والإخطار والإنذار والإسقاط والتنازل والمخالصة. كذلك فرض المجلس رسم بقيمة 5000 ليرة على المسافرين غير اللبنانيين عن طريق البرّ لدى دخولهم إلى الأراضي اللبنانية. وصدّق المادتين المتعلقتين بوضع رسوم على المسافرين وعلى المستوعب مع إضافة كلمة "وما فوق" على مستوعَب قياس 40قدماً.
وأقرّ مجلس النواب فرض رسوم بنسبة 15% على ضريبة الدخل، وفرض رسوماًعلى عقود البيع العقاري بنسبة 2% من ثمن المبيع.كذلك أقرّ ضريبة بنسبة 20% على جوائز اليانصيب اللبنانية والأجنبية، التي تفوق قيمتها 10000 ليرة. كما صدّق المادة المتعلقة بقانون ضريبة الدخل. وصدّق أيضاً المادة 17 الأخيرة المتعلقة بتعديل المادة 51 من القانون رقم 497 تاريخ30/1/2003 (موازنة عام 2003) معدلة بإضافة فقرة بالإجازة للحكومة الجباية استثنائياً، وفقاً للقانون، نظراً لعدم وجود موازنة.